[ كلامه]
{ وَ النَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَ مَا غَوَى *
وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } ( النجم )
كان النبي صلى الله عليه و سلم
يمتاز بـ فصاحة اللسان ، و بلاغة القول ، و كان من ذلك
بـ المحل الأفضل ، و الموضع الذي لا يجهل ، سلاسة طبع ،
و نصاعة لفظ و جزالة قول ، و صحة معان ، و قلة تكلف ،
أوتي جوامع الكلم ، و خص بـ بدائع الحكم ، و علم ألسنة العرب،
يخاطب كل قبيلة بـ لسانها ، و يحاورها بـ لغتها ، اجتمعت له قوة
عارضة البادية و جزالتها ، و نصاعة ألفاظ الحاضرة و رونق كلامها
إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي ، لـ ذلك كان يقول :
لـ عبد الله بن عمرو :
اكتب فـ والذي نفسي بـ يده ما خرج مني إلا الحق .
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم :
' بُعثت بـ جوامع الكلم ، و نصرت بـ الرعب ، فـ بينما أنا نائم
رأيتني أوتيت بـ مفاتيح خزائن الأرض ، فـ وضعت في يدي '
مسند الإمام أحمد .
و كان كلامه صلى الله عليه و سلم
بَيِّن فَصْل ظاهر يحفظه من جَلَس إليه ،
و قد ورد في الحديث الصحيح :
'كان ' يُحَدِّث حديثاً لو عَدَّه العادُّ لـ أحصاه .
و كان صلى الله عليه و سلم
يُعيد الكلمة ثلاثاً لِـ تُعقَل عنه' رواه البخاري .
][ ضحكه ][
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم
‘ لا يضحك إلا تَبَسُّماً ، و كنتَ إذا نظرتَ إليه
قُلتَ أكحل العينين و ليس بـ أكحل '، حسن رواه الترمذي.
و عن عبد الله بن الحارث قال :
' ما رأيتُ أحداً أكثر تبسمًا من الرسول صلى الله عليه و سلم ،
و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يُحَدِّث حديثاً إلا تبَسَّم
و كان مِن أضحك الناس و أطيَبَهم نَفسًا' .
و كان صلى الله عليه و سلم
إذا ضحك بانت نواجذه أي أضراسه
من غير أن يَرفع صوته ، و كان الغالب من أحواله التَّبَسُّم .
يقول خارجة بن زيد :
كان النبي صلى الله عليه و سلم
أوقر الناس في مجلسه لا يكاد يخرج شيئاً من أطرافه ،
و كان كثير السكوت ، لا يتكلم في غير حاجة ، يعرض عمن تكلم
بـ غير جميل ، كان ضحكه تبسماً ، و كلامه فصلاً ، لا فضول
و لا تقصير ، و كان ضحك أصحابه عنده التبسم ،
توقيراً له و اقتداءً به .
قال أبو هريرة رضي الله عنه :
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم
إذا ضحك كاد يتلألأ في الجدر .
رواه عبد الرزاق في مصنفه .
][ خاتمه ][
كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم
من فضة ، نقش عليه من
الأسفل إلى الأعلى 'محمد رسول الله'،
وذلك لكي لا تكون كلمة 'محمد' صلى الله عليه وسلم
فوق كلمة 'الله' سبحانه و تعالى .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
' لما أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم
أن يكتب إلى العجم ، قيل له : إن العجم لا يقبلون إلا كتابًا
عليه ختم ، فـ اصطنع خاتمًا ، فـ كأني أنظر إلى بياضه في كفه '،
رواه الترمذي في الشمائل و البخاري و مسلم.
و عن ابن عمر رضي الله عنه قال :
' اتخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم خاتماً من ورِق
( أي من فضة ) فـ كان في يده ، ثم كان في يد أبي بكر
و يد عمر ، ثم كان في يد عثمان ، حتى وقع في بئر أريس '
و أريس بـ فتح الهمزة و كسر الراء ،
هي بئر بـ حديقة من مسجد قباء .
][ وصف أم معبد ][
قالت أم معبد الخزاعية في وصف
رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم لـ زوجها ،
حين مر بـ خيمتها مُهاجراً :
رجل ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق لم تعبه تجلة ،
و لم تزر به صعلة ، وسيم قسيم ، في عينيه دعج ، و في أشعاره
وطف ، و في صوته صحل ، و في عنقه سطح ، أحور ، أكحل ،
أزج ، أقرن ، شديد سواد الشعر ، إذا صمت علاه الوقار ،
و إن تكلم علاه البهاء ، أجمل الناس و أبهاهم من بعيد ،
و أحسنهم و أحلاهم من قريب ، حلو المنطق ، فضل، لا نزر
و لا هذر ، كـ أن منطقه خرزات نظمن يتحدرن ، ربعة ،
لا تقحمه عين من قصر و لا تشنؤه من طول ، غصن بين غصنين
فـ هو أنظر الثلاثة منظراً ، و أحسنهم قدراً ، له رفقاء يحفون به
إذا قال استمعوا لـ قوله ، و إذا أمر تبادروا إلى أمره ،
محفود ، محشود ، لا عابس و لا مفند .
][ وصف علي بن أبي طالب ][
قال علي رضي الله عنه
و هو ينعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
لم يكن بـ الطويل الممغط ، و لا القصير المتردد ، و كان ربعة من
القوم ، لم يكن بـ الجعد القطط ، و لا بـ السبط ، و كان جعداً
رَجلاً ، و لم يكن بـ المطهم و لا بـ المكلثم ، و كان في الوجه تدوير،
و كان أبيض مشرباً ، أدعج العينين ، أهدب الأشفار ، جليل
المشاش و الكتد ، دقيق المسربة ، أجرد ، شثن الكفين و القدمين
، إذا مشى تقلع كـ أنما يمشي في صبب ، و إذا التفت التفت معاً ،
بين كتفيه خاتم النبوة ، و هو خاتم النبيين ، أجود الناس كفاً ،
و أجرأ الناس صدراً ، و أصدق الناس لهجة ، و أوفى الناس
ذمة ، و ألينهم عريكة ، و أكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ،
و من خالطه معرفة أحبه ، يقول ناعته :
لم أر قبله و لا بعده مثله صلى الله عليه و سلم .
][ وصف هند بنت أبي هال ][
كان رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم
متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، ليست له راحة ، و لا يتكلم في
غير حاجة ، طويل السكوت ، يفتتح الكلام و يختمه بـ أشداقه
لا بـ أطراف فمه ، و يتكلم بـ جوامع الكلم ، فصلاً لا فضول فيه
و لا تقصير دمثاً ليس بـ الجافي و لا بـ المهين ، يعظم النعمة
و إن دقت ، لا يذم شيئاً ، و لم يكن يذم ذواقاً -ما يطعم-
و لا يمدحه ، و لا يقام لـ غضبه إذا تعرض للـ حق بـ شيء
حتى ينتصر له لا يغضب لـ نفسه، و لا ينتصر لها - سماح -
و إذا أشار أشار بـ كفه كلها ، و إذا تعجب قلبها ، و إذا غضب
أعرض و أشاح ، و إذا فرح غض طرفه ، جل ضحكه التبسم ،
و يفتر عن مثل حب الغمام .
و كان يخزن لسانه إلا عما يعنيه . يؤلف أصحابه و لا يفرقهم ،
يكرم كريم كل قوم ، و يوليه عليهم ، و يحذر الناس ،
و يحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد منهم بشره .
يـ تفقد أصحابه - و يسأل الناس عما في الناس ، و يحسن الحسن
و يصوبه ، و يقبح القبيح و يوهنه ، معتدل الأمر ، غير مختلف ،
لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا لـ كل حال عنده عتاد ، لا يقصر
عن الحق ، و لا يجاوزه إلى غيره الذي يلونه من الناس خيارهم ،
و أفضلهم عنده أعمهم نصيحة ، و أعظمهم عنده منزلة
أحسنهم مواساة و مؤازرة .
كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ، و لا يوطن الأماكن
- لا يميز لـ نفسه مكاناً - إذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي
به المجلس ، و يأمر بـ ذلك ، و يعطي كل جلسائه نصيبه حتى
لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاومه
لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ، و من سأله حاجة لم
يرده إلا بها أو بـ ميسور من القول ، و قد وسع الناس بسطه
و خلقه ، فـ صار لهم أبا ، و صاروا عنده في الحق مُتقاربين .
يتفاضلون عنده بـ التقوى ، مجلسه مجلس حلم و حياء و صبر
و أمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، و لا تؤبن فيه الحرم
- لا تخشى فـ لتاته- يتعاطفون بـ التقوى ، يوقرون الكبير ،
و يرحمون الصغير ، و يرفدون ذا الحاجة ، و يؤنسون الغريب .
كان دائم البشر، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بـ فظ، ولا
غليظ، و لا صخاب ، و لا فحاش ، و لا عتاب ، و لا مداح ،
يتغافل عما لا يشتهي ، و لا يقنط منه قد ترك نفسه من ثلاث
الرياء ، و الإكثار ، و ما لا يعنيه ،
و ترك الناس من ثلاث
لا يذم أحداً ، و لا يعيره ، و لا يطلب عورته ،
و لا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه ،
كـ أنما على رؤوسهم الطير ، و إذا سكت تكلموا .
لا يتنازعون عنده الحديث . من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ ،
حديثهم حديث أولهم ، يضحك مما يضحكون منه ، و يعجب مما
يعجبون منه ، و يصبر للـ غريب على الجفوة في المنطق ،
و يقول : إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فـ أرفدوه ،
و لا يطلب الثناء إلا من مكافئ .
][ وصف عمرو بن العاص ][
عن ابن شُمَاسَةَ المهَرِيِّ قال
حضرنا عمرو ابن العاص فـ ذكر لنا حديثاً طويلاً فيه :
' و ما كان أحدٌ أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه و سلم،
و لا أجلَّ في عيني منه ، و ما كنت أطيقُ أن أملأ عيني منهُ
إجلالاً له ، و لو سئلتُ أن أصفه
' ما أطقت ، لـ أني لم أكن أملأ عيني منه ‘
اللهم صلي على خير الأنام سيدنا و حبيبنا و قدوتنا
و على آله و صحبه و سلم تسليماً كبيراً .
إنــتهى .. تحيآتي ^^